Alif Afif Khoury

 

- الخطيئة الأصليّة والحيّة وشيطان :

أ- في نصّ السِفْر : يقول النصّ في وَصفِ حادثة الأكل من الشجرة المحرّمة: « ورأت المرأة أنّ الشجرة طيِّبةٌ للمأكَل وشهيّة (مُتعةٌ) للعيون وأنّ الشجرة مُنيَةٌ للتعَـقُّـل précieux pour agir avec clairvoyance . فأخَذت من ثمَرها وأعطَت بَعلها أيضًا معها فأكل. فانفتحت أعينهما فعلِما أنّهما عريانان. فخاطا من ورق التين وصنعا لهما منه مآزِر».( تك 3: 6- 7).

السِفر، كما هو واضح، لا يُرْجِع مُخالَفةَ الأمّ الأولى لأمر الربّ، إلى نَزْوةِ عصيانٍ أو كبرياء، كما يُرَدَّد.وكذلك لا يُرْجعها إلى سَعيٍ وراء معرفة الخير والشرّ(42) "كالآلهة".الأمر، في السِياق الملهَم، هو أبسط بكثير ممّا يَذهب إليه مفكِّرونا الذين يَنسون أنّ المفاهيم التي يتكلّمون عليها هي غريبة عن واقع حياة الإنسان الأوّل . القضيّة هي، فقط ، أنّ الشجرة وثمرها قد حرَّكا لدى الأمّ الأولى الشوقَ إلى التمتُّع بلذائذها(43). وهذا أمر خبِرَته سابقًا، في غيرها من الأشجار، ولم يَكُن أمرًا نهى عنه الله الذي أنبَتَ "من الأرض كلَّ شجرةٍ حَسنةِ المنظر وطيّبة المأكل..." .(تك 2: 9). كان الأمر شهوةً مِثل بقيّة الشهوات التي عَرفاها.

يقول الأب شميمان : « ثمرة تلك الشجرة...لم يعطِها ( الله . أ.خ.) للإنسان ولا باركها. لذلك كلُّ من يأكل منها تُحسَمُ شركته مع الله ولا تكون له شركة إلاّ مع الثمرة وحدها. هذه هي صورة العالم المحبوب من أجل ذاته...هذا الإعراض عن الله هو الخطيئة الأصلية التي أفـسدت العالم»(44).

في كلام الأب شميمان تعليم جليل يُطلقه إنسان معاصر في عباراتٍ حديثة.لكنّنا ننْظر إلى ما يورِدُه السِفْر بشكلٍ آخر أقلَّ دراميّةً. فما آلَ إليه الجدّان ما كان من الممكِن أن يَخطُر ببالهما قَبْل ممارَستهما اللاطاعة التي صار ا سمها " المعصية الأولى" أو " الخطيئة الأصليّة".نحن نرى أنّ الإنسان ، في بداءة الخَلق، كان كالطفل ، لا يَعرِف الارتواء ،لأنّه لم يَختبر العطش. وهذا واضحٌ في موقف حوّاء الطِفْلِيّ أمام الشجَرة وثَمَرِها (تك 3: 6) . أُمُّنا، التي أُعطيَت التمتُّعَ بكلّ خيرات النعيم، كالطفل، لم تَرْتَوِ بما أُعطِيَت. وكما يندفع الطفل الغِرُّ، ويرمي نفسه في الهاوية التي تستهويه، ولو نَهاه والدُاه عن ذلك ، كذلك فَعَلَت أُمُّنا، التي كانت تَجهل معنى المعصية ونتائجَ الوقوع فيها. فالطفل الذي يجرِّب الأمرَ للمرّة الأولى، لا يَكون للنَهْيِ معنى لدَيه.هذه الخِبْرة

 

(42)-  يُشار إلى الشر، بالأكادية، بكلمة " ميما ليمنو" التي تدلّ على كلّ ما هو مؤلم ومؤذٍ وغَـيرُ مؤاتٍ لحياة وسعادة الإنسان.هذه الكلمة لا تحتوي على أيّ مفهوم أخلاقي.إريشكيجال ربّةُ العالم الأسفل هي إلهة الشرّ وهي تَعمل على ملء مملكتها من الناس أجمعين. استمرّ الفصلُ بين الدين والأخلاق منذ البدايات الأولى لحضارة بلاد ما بين النهرَين، إلى نهايتها .وبقيَ السلوك الديني للأفراد وسلوكهم الأخلاقي بمثابة خطَّين متوازيين.هذه النظرة للأخلاق هي أيضًا نظرة الحضارة الإغريقية.          

(43)- نتكلّم هنا على اللذائذ بمعناها اللغويّ الصِرف وخارج نطاق الأخلاق الذي لم يكُن مطروحًا حينذاك. أصلاً ، لم يكُن التحسُّـسُ باللذّة أمرًا مرذولاً، ولا هو مرذول الآن. إنّه صفةٌ إنسانيّةٌ سَويّة تشكِّل قوّةً دافعةً ومنشِّطة.سوء استعمال هذا التحَسُّـس، من حيث التوجُّه والإفراط ، هو الذي يستدعي الإدانة.           (44)- الأب الكسندر شميمان: "من أجل حياة العالم" ص 25. منشورات النور 1994.تعريب الأرشمندريت توما بيطار.نُذَكِّر أنّ الكلمة الفرنسيّة  pomme = تفّاحة، هي من poma  اللاتينيّة، الآتية من pomum = ثمرة .وقد استُعمِلَت  pomme بالفرنسيّة، تَوَسُّعًا، وبالعَودة إلى معناها القديم، " ثمرة "، للدلالة على الأثمار المختلفة، ذات الشكل المقارِب للكُرويّة.(قاموس Le petit Robert الفرنسيّ – Pomme ).قد يكون هذا الخلط اللغويّ هو مَصدَر الكلام على تفّاحة حوّاء.

للمعصية، التي كانت أمرًا جديدًا ، بكلّ ما في الجِدَّة من معنى، غرَّبَت الجَدَّين عمّا كانا فيه. هذا كان الخروجَ من الجنّة.

وإذ دَخل الإنسان في خِبرةٍ جديدة هي خبرة معصية الله، فإنّ النتيجة كانت أنّه صار يرى الأمور بمِنظارٍ جديد. اللذّة، في حياة الطاعة، لها طَعمٌ غير طَعمِها في حياة المعصية. وللجسد، في حياة الطاعة منظرٌ غيرُه في حياة المعصية. الخير والشرّ يفصلهما خطٌّ وَهميّ بسيط : الطاعة لله.

يقول الأب شميمان : :« الخطيئة والشرّ هما، بالنسبة إلى الكنيسة وخِبْرتِها وإيمانها، سِـرٌّ  قَـبْـل أن يكونا أيَّ شيء آخر. ذلك أن لا جوهر...للشرّ... من هنا نفهمُ ما قاله أحدُ آباء الكنيسة عن الشرّ  إنه " عشب لم يزرعه أحد " . لا تـفـسير لهذا السر في الإيمان المسيحي لأنّ مِن شأن أيّ تـفـسير ...أن يتحوّل بشكلٍ حتميٍّ إلى تبريرٍ يُـسوِّغ اقترافَ الشرّ »(45). تحليل الأب شميمان عميقُ الدَلالة ويُفهَم منه أنّ القضيّة ليست قضيّة شيطان تَلبَّس حيّةً ولا قضيّة وَسْوَسات شياطين، بمعناها الحرفيّ.

 

ب- سِفر التكوين لا يتكلّم على " شيطان":الأدب المسيحيّ(46)، قديمُه وحديثه، إجمالاً، يُرجِع مَعصيَة الجدَّين إلى " شيطان الذي تَلَبَّس الحيّة ".القدّ يس أثناسيوس الكبير، مثلاً، يقول(47):«...وهكذا صار البَشَرُ ... بمشورة الشيطان ، سببًا لفساد أنفسهم بالموت...». وبما أنّ القدّ يسين مرتبطون بزمانهم وثقافة عَصرهم، فإنّنا لا نرى حَرَجًا في التعليق على رأي قدّ يسنا الكبير ، المجاهِد الذي لا يُبارى. نقول:

1 – لا ذِكْرَ لشيطان في أ سفار موسى الخمسة. أمّا سِفْرُ الأحبار فيَذْكر " الشياطين " مرّةً واحدة ، ليدلّ على

" الآلهة الغريبة "( التي يمكن وصفُ دَورِها بالمعانِدة، العدوّة، المُفترية، المفَرِّقة...وهذه، لاحقًا، هي من مواصفات شيطان)، فيقول:« ... ولا يَذْبحوا ( المقصود هم بنو إسرائيل. أ.خ.) ذبائحهم بَعْدُ للشياطين التي يَفْجُرون باتّباعها » ( أحبار 17: 7). هذا يَعني أنّه، حتى صدور هذه الكُتب الخمسة، لم تَكُن هناك ثقافة تتبنّى مفهوم  شيطان كأبٍ للشرّ، وأنّ هذا المفهوم دَخَل في ما بَعْد.

2 – كلمة " شيطان " كلدانيّة تُذْكَر للمرّة الأولى في سِفْر أيّوب ، وهو رجلٌ بارٌ كلدانيّ. وشيطانُ، هذا، يُـقال فيه إنّه أحد رؤساء الملائكة، لكنّه عَصى الله .ويَظهر أنّ اليهود، خلال فَترَة سَبْيهم في بابل، قد أَخَذوا من الكلدان والفُرْس أ سماء ميخائيل وجبرائيل وروفائيل وأوريئيل... على أنها أ سماءٌ  لرؤساء ملائكة. ومنذئذٍ واليهود يتكلّمون على الملائكة وأوصافهم(48)، بعدما كان الكلام على " ملاك الربّ "، أي " المُرسَل مِن قِبَل الربّ ".

 

(45)-  الأب الكسندر شميمان: "من أجل حياة العالم" ص279- 281 .        

(46)-  نقرأ ، في تعليقٍ على تك 3، في ترجمة الكتاب المقدّ س لدار المشرق:« تُمثّـل الحية هنا كائنًا يقاوم الله ويعادي الإنسان. وهو العدو والشيطان في نظر سفر الحكمة ثمّ في العهد الجديد والتقليد المسيحي ». سِـفرُ الحكمة هو سفر لا يعود إلى ما قبل سنة 50 ق.م.، بل هو أحدث ، يُـعَـلِّم بقيامة الأبرار وفناء الأشرار. نقرأ في هذا السفر :« فإنّ الله خلق الإنسان لعدم الفساد وجعله صورة ذاته الإلهية. لكنْ، بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم فيختبره الذين هم من حزبه» (2: 23-24). ..... وفي ختام المقدَّ مة لهذا السِفر، في ترجمة دار المشرق ، نقرأ ما يلي :« سفر الحكمة مؤلَّف يهودي يمتاز في آنٍ واحد بأمانته لديانة إسرائيل التقليدية، وباهتمامه أن يجعلها أمرًا من الحاضر. فلا عجب أن نجِد بعضَ تعاليمه في العهد الجديد وأن يكون آباء الكنيسة قد أكثروا من الاستشهاد به».      

(47)-  من كتابه " في التجسّد "، فصل 5 .        (48)- انظر Imago Mundi-Dictionnaire – قِسم Religion,mythes,symbole كلمة Anges .كتاب أخنوخ الأبوكريف يتكلّم على تمرُّد  مئتَيّ ملاك تزوّجوا بنات الناس.

وننقُل عن المطران كيرللس بسترس من صفحة الأديان في عدد صحيفة النهار ليوم الأحد 23 آذار2003 ففكرة الشيطان اذن، صدَرت عن وجود الشر في العالم. فكانت المعتقدات الشعبية تميل الى تجسيد القوى المختبئة وراء شرور البشرية، وكثيرًا ما كانت تؤدي الى تأليهها. ولقد رجّع العهدُ القديم صدى هذه المعتقدات، لكنه شدّد على سيطرة الله على القوى الشيطانية. وكان من الدين اليهودي المتأخر أنّه أنمى علمًا غزيرًا في الأبالسة،

3 – أتباع زارادَ شت يُلحِقون بكلّ إنسانٍ ملاكًا حارسًا، يسمّونه Fervez ، يساعده على محاربة ما يُدْعى "الأرواح

الشرّيرة "، التي يسمّونها Devs = Darvands (49).

4 – الشاعر هيزيودوس Hésiode ،( حوالى سنة 750 ق.م.)، أحد معاصريّ هوميروس، يتكلّم على عقيدةِ الملائكة الحارسة، في إحدى قصائده.

5 -« منذ اقدم العصور، يَـتوق البشرُ الى السلام والعدل والحياة والخلاص، لكنهم لا يستطيعون بلوغَ تلك القِـيَم ، فيعتقدون بوجود قُـوى معادية تَمنعهم من ذلك. وتلك القُـوى يدعوها ا لكتا بُ المقـدّ س، كما تدعوها أيضًا أديانٌ وحضارات اخرى، " شياطين".من خلال هذا المصطلح المُستقى من الثقافات القديمة الميثولوجية، يعبِّر الكتابُ المقـدّ س عن خبرة الإنسان القديمة بعدم تَمَكّنه ، بقواه البشرية، من تحقيق ما تصبو اليه نفسُه من سلامٍ وعدل وحرية وحياة»(50).

6 - لذا، ولنَكون منطقيّين في التعبيرعن إيماننا القويم، فإنّنا نرى أنّ ما قيل على" شيطان" وعلى " شياطين" يجب أن يُفهم على أنّه قيل انطلاقًا مِن مَبدأٍ أ ساس وهو أنّه، لتعليم الشعوب القديمة، ما كان بالإمكان القَفزُ فوق المفاهيم والمعتقدات السائدة. ومن وجهٍ آخَر، فإنّ ما يحكيه الأدب الشعبيّ، لدى كلّ الشعوب، في موضوع الشياطين،لا سَنَد له ولا مَنطقَ فيه.إنْ هو إلاّ تَخَيُّلات قَومٍ كان الخوف والتخويف رفيقَيّ عُمْرِهم. ونحن لا نزال نعاني من روا سب هذا الماضي وامتزاجه في الثقافة التربويّة والشعبيّة المعاصرة، تُضاف إليها مشاكلُ نفسيّة وخَلقيّة

7 – يُذْكَر في السِفْر أنّ الله لَعَن الحيّةَ ( أي اعتَبَرها خارجةً عن مَرْضاته) وخَصَّها ب " عقوباتٍ " حَدَّدها. لكنّ ما يَدْفع إلى العَجَب أنّ ما ذُكِرَ، كما سنُبَيِّن، لا يصحّ أن يُسمّى "عقوبةً ".حتّى أنّ ما سُمِّي عقوبةً في سِفْر التكوين ولاسيما في أمور الجيوش التي هي في تَصرُّف الشيطان والتي تَضم انواعًا كثيرة من السيادات. وكانوا يعتقدون، على غرار بعض الشعوب القديمة، ان هناك فِرقًا متعدّدة من الشياطين، يستطيع الانسان أن يتحالف مع بعضها ليطرد البعض الآخر، وسمّوا رئيسَ الشياطين "بعلزبول".......ففي سفر التكوين، الذي كُتب في القرن العاشر قبل المسيح، "الحية" هي التي أغوَت آدمَ وحواء، وقد صارت "ابليس"، في سفر الحكمة الذي كُتب في القرن الأوّل قبل المسيح أي بَعد تسعة قرون. فالشيطان هو اذن "المجرّب" الذي يُغوي. وهو ايضًا "المفتري" على الله وعلى الإنسان، كما ظهَر في سفر ايوب (القرن السادس قبل المسيح).... (ايوب 6:2). والشيطان هو ايضًا "المتّهِم"، كما ظهَر في نبوءة زخريا (القرن السادس قبل المسيح).....(زكريا 1:3)». الذهبيّ الفمّ، في عِظَته على القدّ يس أفستاثيوسEustathe الأنطاكيّ، فسّر عبارة " ملاك شيطان" الواردة في 2 كو12: 7- 9 على أنّها تشير إلى أعداء القدّ يس بولس، لأنّ " شيطان" هي كلمة عِبْريّة تَعني " مقاوِم ".

 

(49)- من  Imago Mundi, Dictionnaire– قِسم Religion,mythes,symbole، كلمة Anges  .      (50)- المطران كيرللس بسترس في صفحة الأديان في عدد صحيفة النهار ليوم الأحد 23 آذار 2003.

 

ويتابِع قُدْ سُه:{{الفكر اللاهوتي المعاصر يرى في الشيطان تشخيصًا لقوة الشر الموجود في العالم، والتي هي نقيض الخير ونقيض الله . فالشر موجود، ولا أحد يمكنه انكاره.ولكنّ تصوُّرَه بشكلِ شخصٍ فَـردٍ ،على غِـرار الانسان الفرد، هو تصوُّر متأثر بثقا فةٍ قد يمةٍ ميثولوجيةٍ غيرِ عِلمية.ففي هذا التفـسير لا يَـنـقُض اللاهوتُ المعاصر ايَّ قَـولٍ وَرَد في الكتاب المقد س، بل يفسرّه تفـسيرًا وجوديًا، مُوليًا اهتمامًا خاصًا لـ"الانماط الادبية" التي ورَد فيها كلامُ الوحي... الشيطان تعبيرٌ ميثولوجي عن حقيقة واقعية.وكل ميثولوجيا هي محاولة لتفـسير حقيقة لا يستطيع الانسانُ تفـسيرَها بالعقل.لذلك نرى بعض اللاهوتيين يفـسّرون اليوم لفظةَ "الشرير" بأنها قوة الشر المجرَّدة والمشَخَّصَة.ويقـول بعضهم إنّ الشرير، او الشيطان،هو "اللاشخص" ، و"اللاكائن" ، بمعنى أنّه يعـني تفكيكَ الشخص وتفكيك الكائن.وقد جاء المسيح  ليعيد للانسان المخلوق على صورة الله بهاءَه الذي خُلِـق عليه، والذي أفـسَدته الخطيئةُ وتُعيقه كلُّ انواع الشرّ في العالم.ويقول بعضٌ آخر إن الشيطان ليس شخصًا ، او ملاكًا، تمرَّد على الله ، في لحظةٍ من الزمن، بل هو " فِعـلُ" ا لتمرُّد على الله على مدى الزمن..... والتمرُّد على الله هو المقصود من خلال كل هذه التصوّرات الميثولوجية}}.           

 (3: 14) ، اعتُبِر وَضعًا نعيميًّا، في أ شعياء (65: 25)(51). أمّا الخوف من الحيّات فقد كان رفيقَ العَيْش في الصحارى والبراري والغابات. في هذه البيئة القاسية، تشكِّل الحيّاتُ، بكَثرتها، نَوعًا وكَمًّا، مَصدَر خَوفٍ هائل.

8 – لئن كان شيطان قد تلبّس الحيّة فلماذا تَلحقُ " العقوباتُ " الحيّةَ ولا تَلحق بشيطان ، لا واقِعًا ولا رَمزًا ؟

 

ج - ما بَعد الخطيئة :

1 - انفتاح الأعيُن : بعد المَعصية، " انفتحت" عينا الجدَّين فعرفا أنّهما عريانان. وقد فسَّرْنا الأمرعلى أنّهما، بعد المعصية، صارا يريان الأمور بشكلٍ جديد. في البداءة، كانت التقوى تكفي لباسًا للجسد. أمّا الآن، فقد صار الجسد مَدْعاةً للخجل وبحاجةٍ للباسٍ آخَر. وصار آدم يختبئ من وَجْه الربّ ويجادِله ويَعترِض : " المرأة التي جَعَلْتَها معي هي أعطتني من الشجرة فأَكَلتُ " . مسكينة حوّاء. أرادت أنْ تُـشْرك زوجَها في ما ظَهَر لها طيِّبًا فأعطَته ليأكُل معها، فسقطا معًا، كما عاشا معًا في الجنّة. هذا هو أ ساس الحياة الزوجيّة. لكنّه فقَدَ جوهرَه الذي هو" طاعة الله ". هذا النَقْص هو " الخطيئة الأصليّة "، أي أصْلُ جميع الخطايا، قديمًا وفي كلّ آنٍ ومكان. ولاحقًا( تك 3: 13)، كما تَهَرَّب آدم، تهرَّبَت حوّاء. أليس هذا ما يَحصَل دائمًا وإلى الآن ؟.

2 - العقوبات : قُـلْنا إنّها، فِعْلاً، ليست " عقوبات ".

  بين الحيّة والمرأة  :العبارة الموَجّهَة إلى الحيّة :« وأجعَل عداوةً بينكِ وبين المرأة، وبين نَسْلِكِ ونَسلِها، فهو يَسحَق رأ سَك وأنتِ تَرْصُدين عَقَبه »، يرى لاهوتيّون أنّها موجَّهةٌ إلى شيطان، وأنّ المسيح هو المقصود بنَسل المرأة الذي يَسحَق رأس الحيّة (الشيطان).هذا النهج التفسيريّ مُعتَمدٌ كثيرًا وما يقوله، رَمزًا، على المسيح ، هو صحيح. لكنّ للتفسير شروطًا منطقيّة. مثلاً : عندما نقول ، في هذه القصّة، "إنّ الحيّة رمزٌ لشيطان "، فهذا ليس مِثل القول "إنّ شيطان تَلَبَّـس الحيّة ". ولئنْ قُلْنا أيًّا مِن القَولَين، فإنّ القصاص الذي يَقَع على الحيّة يَجِب أن يكون صالحًا للتَجيير إلى شيطان. هذا غير مُمْكَنٍ هنا، لأنّ ما هو وارِدٌ يُختَصُّ بالحيّة كحيّة.

 عقوبة آدم وحوّاء : مَـشَقّات الحَمْل لدى حوّاء تُعتَبَر من العقوبات. لكنّ الطبّ  توصَّل إلى السيطرة على هذه المشقّات. فهل يخالِف الطبُّ، في هذا، نظامًا إلهيًّا ؟!. ثمّ ، هناك " انقياد أ شواق المرأة إلى رجُلِها". هل هذه لَعنةٌ !! لنَلحَظ أنّ السِفر يُحدِّد "رجلها "، ولا يُعمِّم قائلاً " الرجل ". لعَمري، هذه برَكة وليست لعنةً. 

ولنتساءل: أ شواقُ الرجل ألا تَنقاد إلى زوجته ؟!! هذا الانقياد ألَيْس ،أيضًا، بَرَكةً ؟!. لكنّ السِفر يبقى أ سيرَ عصره إذ أنّ في كلامه تبريرًا لسيادة الرجل على المرأة(52) . ويَظهر أنّ كلامَ السِفْر على هذه السيادة لا يَسمح بكلامٍ على عقوبةٍ حقيقيّة تُفرَضُ عليه.ما سُمِّيَ، لاحِقًا (3: 17- 19) "عقوبةً "، كان حُكْمًا على الأرض أن تُنبِت شوكًا وحَسَكًا.أمّا مشقّات العمل فهي ليست عقوبةً حقيقيّة. نتساءل، هنا، أيضًا، هل الأثمار الطيّبة وخيرات الأرض الوافرة يَجب أنْ تُصَنَّف على أنّها تمرُّدٌ على الله؟!. وهل اختراع الآلات التي تخفِّف من الجَهد البدنيّ الذي يَبذله الإنسان في تعهُّد الأرض وزراعتها، هو تَحدٍّ لِلَّعنة التي يُقال إنّ الله قد أطلَقها ؟!.

3 - ما فَعَله الله بَعد عصيان الجدَّين :رأينا أنّ الجدَّين ا ستعملا ما وَضَعه اللهُ فيهما مِن صفاتٍ وإمكانات،

ليُخالفاه . ولا يزال الإنسان يَفعلُ هذا الأمر. لكنّ الله ، رَغْم ما سبَق قَولُه في السِفر عن " عقوباتٍ"، لم

 

(51)-  « الذئب والحمَل يَرعيان معًا ، والأسد، كبَقرٍ، يأكل التِبن ، أمّا الحيّة فالتراب يكون طعامُها ».        

(52)-  الرسول بولس يتكلّم على نوعٍ من التقدُّم للرجل على المرأة (1 كو 11). لكنّه يؤكِّد، رَغم المجتمع الذكوريّ الذي كان في عصره، على أنّ الزوجين يقدِّس أحدهما الآخر (1 كو 7).ويَطلب أن يحبّ كلّ واحد امرأته مِثلما يحبّ نَفسَه (أف 5: 21- 33).

 

 

يَغضَب، بَل كان ما فَعلَه مِثالاً للحنان والتَفهُّم الكاملَيْن،إذ صَنَع لآدم وامرأته أقمصةً مِن جِلْد وكَساهُما.(تك 3: 21). وهذا بَدَل مآزِرِ وَرَق التين التي صَنَعاها. (تك 3: 7).

يقول بعضُ الدارسين إنّ أقمصة الجِلد تشير إلى بدء وَضْع شريعة الذبائح. ونحن نرى فيها تناقُضًا مع قَصْرِ طعامِ آدمَ على العـشب(53). فللحصول على الجلود يتوجّب ذَبْحُ الحيوان وسَلْخُه. وهذا يَعني أنّ الإنسان صار يأكل لَحمَ الحيوان ويَلبَس جِلدَه ، مع أنّ مَسار القصّة يَقَع في مَرحلةٍ تاريخيّةٍ أقدمَ مِن مَرحلة أكل اللحوم. هذا يضيف تأكيدًا على أنّ هدف القصّة هو التعليم، وأنّها تنتمي إلى مرحلةٍ تَقَع بعد المرحلة التي تتكلّم عليها، بكثير.

وهكذا، وبَعد أنْ صار الإنسان يرى الأمور بمنظارٍ جديد، رأى الله، في فائق تَحَنُّنه، أن يساعده على إيجاد وسيلة فعّالة وجميلة، أفضلَ من ورق التين، تكون له عَونًا في تخفيف الخجل الذي بدأ يَرزَح تحته. هذا يعني أنّ الربّ تَقبَّل وَضْع آدم الجديد ولم يَحمَ غضبه. يقول الكتابُ العزيز، ببساطة:« وقال الربّ الإله، هوذا آدم قد صار كواحدٍ منّا يَعرف الخير والشرّ...» (تك 3: 22 ).

كلمة " يعرف "، في الكتاب، تشير إلى علاقةٍ حميمة. فقد دَخَل الإنسان في تَماسٍّ حياتيّ عميق مع" الخير والشرّ "، مع مشاركةِ الله ومع مُخالَفته.بعد العصيان، تَفتّحت أعيُن الجدَّين على عُريهما، أي بدأ شعورُهما بالغربة أي بأنّهما باتا بَعيدَين عن الله .هذا هو الخروج من الجنّة، وتُلُوًّا، كان الدخولُ في حياة جديدة. في الأولى، كان الله يَهَب كلَّ شيء. وفي الجديدة، الإنسان هو الفاعلُ الظاهر. هكذا بَدأت مغامرةُ الحياة البشريّة في حُلْوها ومُرّها. الكتابُ يُعبِّر عن هذا الخروج بلغة ميثولوجيّة فيقول إنّ الله طَرَد الإنسان حتّى لا يمُدّ يدَه إلى شجرةٍ أخرى هي شجرة الحياة " فيأكل ويحيا إلى الدهر " (تك 3: 22).ولم يُذكَر أنّه طرده بسبب الأكل من الشجرة الأولى. نتساءل: ما وَرَد في  عبارةِ الطَرْدِ، هل يعني أنّ الله لم يكُن قد منَحَ طاقةَ الخلود للإنسان الأوّل ؟- الذهبيّ الفم يقول، في عظته الأولى على " القيامة" ( مقطع 8) :« ...الله، من البداءة، لم يَنذُر الإنسانَ للفناء بل ليَبلُغ إلى عدَم الفساد. لذا، عندما ارتضى الإنسانُ الموتَ ( بعصيانه الأمر الإلهيّ. أ.خ.)، فإنّ الله ، يا إنسان، لم يَسمح بذلك إلاّ لأنّك ستعود فتَستَعيد الخلوَد، عندما يصيِّرُك القصاصُ حكيمًا، عندما تُصبح أكثر صلاحًا ».ونحن سنحاول أن نستقرئ الأمر لاحقًا.

المَنحى الميثولوجيّ يُتابِعُه النصُّ ويقول: «فطرَد (= اللهُ) آدمَ وأقام شرقيّ جنّة عدن، الشيروبيمَ( الكيروبِين) مع لهَب السيف الصاعق لحرا سة طريق شجرة الحياة » (تك 3: 24). النفَسُ الميثولوجيّ للنصّ ( الذي خُتِم بذِكر الكيروبين، الكائنات الأبي- هَوليّة المجَنَّحة، والسيف الصاعِق) يقدِّم الحياة كأمرٍ خارجَ الله ، يأتي من شجرة سِحريّة زَرعها ، تعالى، ويُمكِن أن يُتوصَّل إليها دون " المرور " به. لكنّ النصّ نفسه، مِن وجهة نظَرٍ مسيحيّة، يُمْكن أن يُفهَم على أنّ الله ما كان يريد للإنسان أن يحيا إلى الأبد بالاستقلال عنه، فهو (تعالى) لم يَخلقه ليقيم في الغُربة. لذا فإنّ " تَحَرُّزَ " الله مِن أن يأكل آدمُ من شجرة الحياة، معناه أنّه، تعالى، لم يكُن يريد أن يستمرّ آدمُ في الحياة خارج الشركة معه، تعالى. وتُلُوًّا فإنّ المعنى العميق للرواية يتوضّح عندما تُفهَم عبارةُ« فأخرجه الربّ الإله من جنّة عدن ليحرث الأرض التي أُخِذ منها » (تك 3: 23) خارجَ المَسرى العِقابيّ. الله لم يُخرِج

 

(53)-  قَبْل العصيان: " من جميع شجر الجنّة تأكل " (تك 2: 16)بعد العصيان: " شوكًا وحسَكًا تُنبِت لك وتأكل عُشبَ الصحراء" (تك 3: 18). وفي تك1: 29 طعامُ الإنسان مَقصورٌ على العشب والثمر.يَظهر أنّ هذا كان النظام الغذائيّ للإنسان في مراحله الأولى.

 آدم من " الجنّة "، وهو، تعالى، لا يُخرِج أحدًا مِن رحمته. آدمُ، كما قُلنا وكما سنؤكِّد، هو الذي أَخرَج ذاتَه وهو الذي قاد نفسه إلى حياةٍ من نَوعٍ آخَر، حياةٍ يتوجّب عليه، فيها، أنْ يَتعب ويُجاهد ليَحصَل من الأرض التي حوله، ومن أرض نفسِه، على الثمرات الطيِّبة التي كان ينالها في جِوار ربّه،  بشكلٍ طبيعيّ وتلقائيّ.

د - الموت والفناء، خداع الحيّة  :

1 - كلام السِفْر :عندما مَنع اللهُ الإنسانَ من الأكل من الشجرة، أَنذَرَه قائلاً :« فإنّك يوم تأكل منها تموت موتًا» (تك 2: 17). وفي ترجمة TOB :« يتوجَّب أن تموت». وقالت الحيّة للمرأة: « موتًا لا تموتان، إنّما الله عالم أنّكما يومَ تأكلان منه ( أي من ثمر الشجرة. أ.خ.) تنفتح أعيُنكما وتصيران كآلهة تعرفان الخير والشرّ » (تك3: 4- 5).

 

2 - إيضاحٌ  :نعود إلى التذكير بأنّ كلّ المفاهيم التي يتكلّم عليها النصّ : خير، شرّ، آلهة، موت...هي مفاهيم

غير معروفة من الجدَّين وتُلُوًّا، هما لم يكونا يُدركان معانيها.فيكون أنّ الحوار، في هذه الرواية، إنْ أبقيناها في المحيط البَدئيّ الذي توضَع فيه عادةً ، يَفتقر إلى الأسُـس الأولى لكلّ حوار، أي إلى فَهم المفردات المتبادَلَة. لذا قُلنا إنّ الرواية هي، بالأحرى، عملٌ تعليميّ موَجَّهٌ إلى إنسانٍ متطوِّر. فيكون أنّ دور الجدَّين فيها ليس دور بَطلَين حقيقيَّين، بل دَور بَطلَين ا ستُعمِلا لنَقْل تعليمٍ  بمقاصد الله ، يَعمَل الكاتبُ الملهَم على إيصاله للناس بهذه الطريقة التصويريّة. لكنّ الشعب ، عامّةً، لا يَلحَظ هذا الزَيَحان الزمنيّ- الثقافيّ، ويتقبَّل القصّة كما لو أنّ لا فَرْق بين وَضْع الجدَّين ومداركهما وبين وَضْعه هو ومداركه.

3 - الله يُنْذرُ آدمَ بالموت : رأيْـنا، في سياق السِفْر، أنّ آدم لم يَمُت، مباشرةً، الموتَ الذي نَعرفه، رَغم الإنذار الإلهيّ. فهل يكون الله، تعالى، غير صادق؟! وهل تكون الحيّة غير مخادِعة؟! سنُفصِّل الأمرَ، لاحقًا.

لنَعُد الآن إلى تساؤلنا السابق على خلود الإنسان. إنّ زَرْع شجرة الحياة مع شجرة معرفة الخير والشرّ، في وَسْط الجنّة، ومَنْعَ الأكلِ من الثانية يترُك لنا أن نتساءل : ما هو دَور شجرة الحياة، قَبْل التمرُّد، وما هوالسبب الذي جَعل السِفر لا يَذكر هذا الدَور، صراحةً.

نرى، والله أعلَم، أنّ الأكل من شجرة الحياة لم يكُن ممنوعًا قَبْلاً، وإنّما حَصَل المنعُ بعد التمرُّد: فما دام الإنسان يعيش في طاعة ربّه فله أن يحيا إلى الأبد. هذا يُرمَز إليه بالأكل من شجرة الحياة .لكنّ«أجرة الخطيئة هي الموت» (رو 6: 23).إذن،«بالخطيئة دخل الموت»(رو 5: 12). ولأنّ« الله خَلَق الإنسان خالدًا(54) وصنَعه على صورة ذاته» (الحكمة 2: 23) فقد قال لآدم، قَبْل أنْ يأكل من الشجرة :«يوم تَأكل منها يتوجَّب أن تموت»،أي ما يُرمَز إليه، لاحقًا، بالمَنع من الأكل من شجرة الحياة . تحذير الله لا يقول، صراحةً، إنّ الموت سيكون، مباشرةً ، بعد الخطيئة.وهو لا يحدِّد معنى الموت. هذا لا يتعارَض مع حقيقة أنّ الله بارٌّ وأنّه، تعالى، كان بارًّا عندما أعلَم آدم ، ولو دون شَرْحٍ ، بما سيكون مآلُه إنْ هو تمرّد.

الحصيلة الأولى للتمرّد كانت انفتاحَ الأعيُن، أي الشعور بالغُربة عن الله، وتُلُوًّا، التعامُل مع الجسد بشكلٍ جديد.لقد تعرّف الإنسان ، تَعَرُّفَ ممارسةٍ وخِبرة، على واقعٍ جديد، فصار، في قرارة ذاته، إنسانًا آخَر. لقد

" مات الإنسان الأوّل، الطفلُ الذي كانت خِبْرة المعصية مجهولةً منه".هذا هو" الموت " الأوّل، أو المباشَر، وهو أمرٌ يُدرَك بالخِبرة الفِعليّة ولا يُـشرحُ بالكلام .وهو أيضًا " الخروج " الأوّل من الجنّة.أمّا الخروج التالي، والموت التالي، فقد حَصلا لاحقًا.

 

(54)- يُمكن، في سِياق سِفْر التكوين، أن نفسِّر هذا التعبير على أنّ الله أعطى للإنسان ما يجعله خالدًا.هذا هو دَورُ شجرة الحياة.

 

الخروج التالي، "المكانيّ "، هو نتيجة طبيعيّة للخروج الأوّل. فالجنّة لم تَعُد مَسكَنًا طبيعيًّا للإنسان الجديد، وما

عادت شجرةُ الحياة غَرْسًا له. لذا يتوجَّب خروجُه إلى مكانٍ آخر ليَعمل على فلاحة الأرض ونفسِه، ليَغرس فيها أ شجار التوبة ويُنشئ جنّةً مؤقّتَةً بانتظار جنّةٍ مُستعادَة.

الموت التالي هو أيضًا نتيجة طبيعيّة للموت الأوّل وللخروج الأوّل. لكنّ الله أعطى للإنسان فَترةً لعمَل الفلاحة المطلوب منه :« ...بمشقّةٍ تأكل منها ( = الأرض. أ.خ.) طولَ أيّام حياتك....حتى تعود إلى الأرض، فمنها أُخِذْت، لأنّك ترابٌ وإلى التراب تعود » (تك 3: 18- 19)(55). يلتقي مع هذه العودة إلى التراب قولُ الرسول بولس إنّ «اللحم والدم لا يَسَعهما أن يَرِثا ملكوتَ الله، ولا يَسَع الفسادَ أنْ يَرِث ما ليس بفساد»( 1 كو 15: 50). لذلك « لا بُدَّ لهذا الفاسد أنْ يُلبَس عدمَ الفساد، ولهذا المائت أنْ يُلبَس عدمَ الموت» (1 كو 15: 53). و«في لحظةٍ وطَرفةِ عَينٍ،عند البوق الأخير، فإنّه سيُهتَف فيقوم الأمواتُ عادميّ الفساد، ونحن نتغيَّر»(1 كو 15: 52).

 

آدمُ الأوّل أُخِذ من التراب، وكان لحمًا وعظامًا ودمًا، ولم يَـقُـلِ السِفرُ إنّ سُكناه الجنّةَ كان أمرًا غير طبيعيّ. بَعد المعصية صار عليه أن يعود إلى التراب، ولم يَعُد يستطيع أن يرِث ملكوت الله . إذن، هناك تَغيُّر ما، قد حَصَل. الأكلُ يغيِّر الإنسان ويميتُه أو يُحييه، وسنأكل جسد الربّ ونشرب دمه لنحيا به ومعه. وكما كان الخروج والموت نتيجةَ تغيُّرٍ، فإنّ العودة يجب أن تكون ، أيضًا، نتيجةَ تَغيُّر. لكنْ، في الحالَين، هناك

ا ستمرارٌ ما، لأنّ الخَلْق لا يتكرّر(56). ويبقى في الأمر سرٌّ لم يُعطَ لنا أن نَعرفه.

 

4 - خداع الحيّة : الله حَذّر آدم قائلاً: « يوم تأكل منها يتوجّب أن تموت». والحيّة قالت للمرأة: «موتًا لا تموتان. إنّما الله عالِمٌ أنّكما يومَ تأكلان منه (= ثمر الشجرة. أ.خ.) تنفتح أعيُنكما وتصيران كآلهة تَعرفان الخير والشرّ» (تك 3: 4- 5).وقد وَصَف السِفْرُ الحيّةَ بأنّها «أَحيَلُ جميع حيوانات الحقول، التي صَنَعها الربّ الإله»

( تك3: 1).

في كلام الحيّة شقّان: شِقُّ الكلام على الموت، وشقّ معرفة الخير والشرّ. الحيّة لم تكذب في الشقّ الثاني، وقد شرَحنا ما حدَث للجدَّين ورأَينا أنّ هذه المعرفة لم تكُن حُلوة المذاق كالحلاوة الظاهريّة الموعودة في كلام الحيّة. هذا الأمر كان خديعةً مُبْطَنَةً. وفي الشقّ الأوّل خديعةٌ أُخرى مُبْطَنة.صحيح أنّ الجدَّين لم يموتا الموتَ الذي نَعرفه(57)، فيكون أنّ الحيّة، شكليًّا، لم تَكذب. لكنّها سكَتت عن المعنى الآخر للموت الذي يفـسِّر قَولَ الله الحقّ(57). أعلى درجات الخداع ليس الكذب، بل المعاني المُبْطَنة. وهدف الحيّة الأساس هو التحريض على معصية الله مهما كانت الوسيلة.

خلاصة الأمر أنّه وإنْ لم يكُن باستطاعة حوّاء فََهمُ مقولات الحيّة، إلاّ أنّها لا بُدَّ أن تكون قد تَشجَّعت بها. تُلُوًّا، وضِمْن ما هو مَرويّ، تكون الحيّة قد حَرَّضَت ولم تُقنِع. ويبقى أنّ حوّاء، ولو شَبَّهْنا تصرُّفها بتصرُّف

طِفلٍ، لم تكُن طفلاً، وقد عصت بملء إرادتها، كما سَبَق أنْ شَرَحنا. هذه المعصية ليست  بِنتَ انخداعٍ بأقوال

 

(55)-  القدّ يس أثناسيوس فـسَّر هذه الآية على أنّ الإنسان، قَبْل أن يَحْصل الخلاصُ بيسوع المسيح، كان محكومًا عليه أن يَـفنى:« لأنّ تَعَدّيهم ( = البشر. أ.خ.) الوصيّةَ أعادَهم إلى حالتهم الطبيعيّة الأولى، حتّى أنّهم، كما نشأوا من العدم، يجب ألاّ يتوقّعوا غير الفساد الذي يؤدّي إلى العدم، مع توالي الزمن... ويجب أن تكون النتيجة....الحرمان إلى الأبد من الوجود...»( في التجسُّد – فصل 4).الذهبيّ الفمّ ، في عِظَته الثانية على القيامة، يترجم آية السِفْر:« ستموت موتًا حقيقيًّا»، ويضيف:«لكنّ آدم لم يَمُت في ذلك اليوم الموت الطبيعيّ، وإنّما موتَ الخطيئة».       

(56)- المطران جورج خضر: مطارِح سجود 1- ص 29.          

(57)-  ما كان بإمكان الجدَّين أن يُدرِكا ، مُسبَقًا، معنى الموت الذي لحِق بهما، والذي شرحنا مجرَياته .لذا نَفهم أنّ الله ، تعالى، اكتفى بتأكيد حصوله.  

    

مخادعٍ أو تكبُّرٍ أو سَعيٍ لاكتساب مقام آلهةٍ(58) أو معرفةٍ متطوِّرة... هذه اجتهاداتُ مفسِّرين ابتعدوا عن نصَّ

السِفر وبَنوا على معطياتٍ أخرى، مِن زَمنٍ أحدث. لن نَخوضَ في مدى الأهميّة التعليميّة لهذه الاجتهادات، في محيطِ هذا النصّ، لكنّنا، بالمُطلَق، نُقِرُّ باحترامنا لمحتواها، الذي نُصِرّ على أنّه قد خَرَج عن نطاق النصّ.

 

5 - الموت والفناء : في الأدب المسيحيّ، قديمه وحديثه، خَلْطٌ بين الموت والفناء، بالأخصّ في تفسير هذا المقطع من سِفر التكوين. ولقد ذَهبَ القدّ يس أثناسيوس الرسوليّ هذا المذهب فقال:«...ليس المقصود (= بتحذير الله لآدم.  أ.خ.) مجرّدَ الموت بل البقاء إلى الأبد في فساد الموت» (من " في التجسّد ". فصل3).هذا الخلط يقود إلى نتائج غير مقبولة ، فهو يَجعل اللهَ ( سبحانه) غير صادقٍ ، أي غير بارٍّ ، وذلك لأنّ الجدَّين لم يموتا كما أنذرهما، بل طُرِدا من الجنّة. وبعد الطرْد، لم يَفنَيا، بل ماتا الموتَ الذي نَعرفه، وحصَلا، فوق ذلك، على الخلاص بالمسيح يسوع . ثمّ إنّ القول ب "الموت- الفناء" يعني أنّ البشر، قبْل المسيح، كان مصيرهم الفناء، فكيف يتمّ خلاصُهم ولم  يَعُـد لهم أيّ شكلٍ من أشكال الوجود؟!. كيف يُحييهم الربّ من الموت (= الفناء. أ.خ.) ؟؟.هذا لا يمْكن أن يعني غير إعادة خَلقهم بعد فنائهم(59).وكذلك، كيف نتكلّم على مثوى لهؤلاء الأموات الذين فَنوا وباتوا لا وجود لهم !، هذا المثوى الذي سُـمِّي الجحيمَ،أو الهاويةَ، والذي قيل إنّ المسيح نَزَل إليه وخلَّص مَن فيه مِن الصالحين (60). نرى أنّ مَصدر هذا الكلام هو من الميثولوجية التي عرفها اليونان قديمًا(61).

 

 نختم بالتأكيد أنّ القول ب "الموت- الفناء" لا يتوافق مع الكتاب بل هو مجرّد نِتاجِ مرحلةٍ حضاريّة لم تؤمن بالقيامة . نقرأ في سِفر الحكمة، في ما يُختصّ بموت البشر : « في أعيُن الأغبياء، يبدو أنّهم ماتوا ( = فَنوا. أ.خ.) وحُسِب ذهابُهم مصيبةً ورحيلُهم عنّا كارثةً...»( الحكمة 3: 2- 3).وذلك بسبب « أنّهم ( = الأغبياء. أ.خ.) بزَيْغِ أفكارهم قالوا... إنّا وُلِدْنا اتّفاقًا ... إنّما حياتنا ظِلٌّ يَمضي...»(الحكمة 2: 1- 5). لذا نقول إنّ اعتبارَ الموت فناءً كان ظَنًّا لدى بعض البشر. لكنّ مجيء المسيح وقيامته ثـبَّت القولَ بالموت مرحلةَ عبورٍ من حياةٍ زائلة إلى حياةٍ باقية. وقد سَـلَكه الربّ يسوع على طريقته الإلهية، وقَرَّع الصدّ وقيين الذين يقولون إنّ لا قيامة:« أنتم في ضلال لأنكم لا تَعرفون الكتب ولا قدرةَ الله ...أفما قرأتم ما قال الله لكم : أنا إله ابراهيم وإله إ سحق وإله يعقوب، وما كان إله أموات بل إله أحياء».(متى 22: 29-32). الله "ما كان"، وهو ليس،إلهًا لخليقة تَـفنى. هو إله خليقةٍ تبقى حيّةً ولئن " بدا لأعيُن الأغبياء أنّها فَنِيَت". لكنّ الأدب المسيحيّ، للأسف، لا يزال يحمل عباراتٍ تُذَكِّر بالظَنِّ القديم.

هـ- خلاصة ما سَبَق :

إنّ قراءتنا لقصّة معصية الجدَّين التي يرويها سِفرُ التكوين، لم تُظهِر لنا أنّها كانت صفحة مجلّلَةً بالسواد بشكلٍ مُطلَق، وإنّما رَأَينا التدبير الإلهي جَلِيًّا فيها. لم نَرَ مجرّد قصّةِ سقوطٍ وخطيئة، بل رأينا ، أيضًا، قصّةَ ارتقاءٍ

 

( 58)- حوّاء لم تَعرف غير إلهٍ واحد.       

(59)-  نقرأ في إحدى قِطَع صلوات الأسبوع العظيم:« وأمّا الجحيم فأمَـرْتَها أن تُطلِق المُعتَـقَـلين ، لإعادة خَلْق الأنام، لأنك وافَـيتَ لتمنحهم حياةً لا موتًا»(ص 334-335). واضحٌ أنّ هذه القطعة تحتاج إلى تنقيح.         

( 60)- يقول القدّ يس نقولا كابازيلاس(1290 1371) :« وَجَـد المخلِّص في الجحيم، حيث نزل بعد موته على الصليب، صدّيقين وخطأة. استقبله الصدّيقون فتحرّروا من العقالات والطغيان. أمّاالخطأة، الذين تشوّهوا كليّـًا فلم يَـقبَـلوا مَلكَ الكلّ فبَقوا في الظلمة أسرى أبديين بين يدي الطاغي العاتي »(الحياة في المسيح ، منشورات تعاونية النور الأرثوذكسية سنة 2002. تعريب البطريرك الياس الرابع . ص 31).              

(61)- انظر، مثلاً Les dieux et les héros Grecs- Orphée et Euridice.htm .

 

للإنسان في دروب المعرفة، بما فيها مِن تعرُّجاتٍ وأخطار، تحت عنوانِ ما سُمّي " شجرة معرفة الخير والشرّ ". فقد كان مهمًّا لهذا الإنسان ، الذي كان يعيش في خيرٍ دائم، أن يتعَرُّف على الضدّ ، لأنّه " بِضِدّها تَتميَّزُ الأشياءُ "، كي يَعي مِقدارَ البركة التي يعيش فيها.لكنّ الوَضْع الذي آلَ إليه الإنسان لا يُرضي الله . فالإنسان الذي خَلَـقه قد ابتعد عنه، والهُوّةُ التي نَشأت بينهما، أَخَذت تَـتَّسِع. دور الربّ يسوع كان أن يَحُلَّ هذا المشكل.

نعود فـنُذَ كِّر أنّ معرفة الخير والشرّ، مِن قِبَل الإنسان، كانت مِن ضِمْن ما ارتضاه ، تعالى. لكنّ هذا لا يَعني أنّ وقوع آدم في المعصية هو أمرٌ خَطَّط له الله ، ما يجعله ( تعالى) مسؤولاً عن هذه المعصية. مِثل هذا التخطيط  يتنافر مع الحرّية التي أعطاها الله للإنسان بصُنعِه إيّاه على صورته كمثاله. ومن وجهٍ آخَر، الكلامُ على حرّية الإنسان لا يَعني أنّ الله ، بسبب هذه الحرّيّة، لا يعرف ما سيَـفعَـلُه الإنسان.الزمان، أي التبدُّل، ليس ممّا ينسحب على الله : طُرُقُه، تعالى،هي غير طُرُقنا، وهو وحده يَعلَم كيف يَعلَم. ما نعرفه هو أنّ العِلْم الإلهيّ لا يتعارَض مع الحرّيّة الإنسانيّة.

 

و – بَعضٌ من الكلام على الخطيئة الجدّيّة  :

 

 ترتليانوس (155- 223) هو أوّل من تكلّم على الخطيئة الجدّ ية ، أو الأصلية . تعليمُه هذا، تابَعَه، بعده،

القدّ يسُ كبريانوس القرطاجي (200- 258) ليصِـلَ إلى وجوب تعميد الأطفال لأنهم ورثوا خطيئة آدم. ثمّ جاء دور أوغسطينوس وإيرونيموس(62).أوغسطينوس يحارب بقوّة سيليستيوس تلميذ بيلاجيوس، ولا يرى أنّ المعلِّم يختلف عن تلميذه، بل أنّ الإثنين يقولان « إنّ خطيئة آدم لم تُسِء إلى الجنس البشريّ بل إلى فاعلها وحدَه. وإنّ الأطفال يَكونون، عند ولادتهم، في الحالة التي كان فيها آدمُ قَبل المعصية.أي إنّ أيّ طِفلٍ ليس مسؤولاً عن الخطيئة الأصليّة ، بل يولَد دون لطخةِ أيِّ شرٍّ أو نقيصةٍ. لذا فالأطفال ليسوا بحاجةٍ للمعموديّة لأنّهم في الوَضْع الذي خَلَقهم الله عليه »(63). لقد أوضَحْنا أنّ مفهوم الخطيئة الأصليّة، وَفْق النصّ الكتابيّ وروحه، لا يتوافق مع مقولات أوغسطينوس ولا مع مقولات البيلاجِيّين.

أمّا  القدّ يس الأكويني فيَرى « أنّ الكتاب المقدَّ س يَجعل مِن خطيئةِ الإنسان الأوّل، الدافعَ للتجسّد وأنّ التجسّد صُمِّم لمعالجة مُـشكل الخطيئة»(64).وأنّ « الخطيئة التي تَمنع الدخولَ إلى ملكوت السموات هي من نوعين. أوّلُهما الخطيئة المشترَكة لكلّ الطبيعة البشرية، وهي خطيئة الأب الأوّل(65)... وثانيهما هو الخطيئة المختصَّة بكلّ شخص، وهي التي يرتكبها كلُّ شخصٍ ...بآلام المسيح تَخلَّصْـنا من الخطيئة المشترَكة: من الخطيئة بحَدّ ذاتها، ومن العقاب المفروض بسببها، وذلك بأنّه ( أي المسيح. أ.خ.) دَفَع الثمن عنّا.أيضًا، كلّ الذين يشاركون في آلامه، بالإيمان والمحبّة والأسرار المقدَّ سَـة، يتخلَّصون من الخطايا الفردية »(66).

 

 (62)- يلتقي معهم ، في الشرق، ثيودوروس المبسوسطي Mopsueste  تلميذ ديودورس أ سقف طرسوس Tarse، وثيودوريطس

أ سقف صور (تلميذ المبسوسطي).كما يلتقي معهم، في بعض النقاط، القدّ يس يوحنا الذهبي الفم الذي كان تلميذًا للطرسوسي(من جان كلود لارشيه: مكسيموس المعترف... ص 77-78) .          

(63)-  أوغسطينوس :الخطيئة الأصلية- الكتاب الثاني.   

(64)- الخلاصة اللاهوتية IIIa   س 1.م 3. جواب            

(65)- يَذكر أوغسطينوس، في كتابه على الهرطقات، الهرطقةَ 31، هرطقةَ " أتباعِ آدم" Les Adamites . يقول إنّ هؤلاء يقلّدون عُريَ آدم، قَبل المعصية، ويرتادون كنائسهم وهم عُراة تمامًا. ويقول إنّهم يرفضون الزواج لأنّ آدم لم يعرف زوجته إلاّ بعد المعصية. ولقد شاء آباءٌ قدّ يسون أنْ يتكلّموا في ما رأوا أنّه مَسارُ الحياة لو أنّ آدمَ لم يَقَع في هذه المعصية. رَغم احترامنا الشديد لقدا سة آبائنا ورَغم قناعتنا الرا سخة بقيمة ومرتكزات آرائهم في أمورٍ أخرى ، إلاّ أنّنا نفضِّل، في هذا الموضوع، عدمَ الخَوض في افتراضاتهم.          

(66)- الخلاصة اللاهوتية IIIa  س 49.م 5. جواب.

 

أمّا في الشرق، فالقدّ يس مكسيموس المعترف(67)، يرى أنّ آدم وقَع في أمرين: أوّلاً،اختار الشرَّ بدَ ل الخير، وهذا مُدان . فكان أن انتقل من حالة اللافـساد إلى حالة الفـساد، وهو لا يُلام على هذا الانتقال . مفاعيلُ خطيئة آدم الشخصيّة لا تنسحب على الطبيعة البشريّة ولا على نَـسل آدم .لذا يَعتبر مكسيموس أنّ البشر ليسوا مذْ نبين منذ ولادتهم وأنهم غير مسؤولين عن خطيئة آدم، فهي خاصة به. نتائج خطيئة آدم ( الخضوع  للعقاب، الفـساد والموت) ، يَخضع لها أبناء آدم دون أن يكونوا مُذْ نبين.المسيح ، باتّخاذه الطبيعة البشرية الساقطة، احتمَـل هذه الخطيئة ( أي نتائجها) وبقيَ هو بدون خطيئة... «لكنّ البشر يُـسألون عن تَعَدٍّ  يشـبِـه تَعدّي آدم. فهم قد أعادوا فِـعلَ خطايا تُماثِـل خطيئته فصاروا مذْ نبين وتُلُوًّا، هم يتحمَّلون النتائجَ  نفسها. لقد ا ستمرّوا في الطريق التي د شّـنها آدم ، بل زادوا ونشروا الشرّ في ذواتهم وفي العالم »(68).

القدّ يس يوحنّا الذهبي الفم(69) فـسّر كلمة "خطأة " التي ترِد في رسالة القدّ يس بولس ( رو: 5 )، أنها تعني

" المحكومين بالموت " وليس " المذنبين ". وكذلك فـسّر عبارة " بسببه أخطأ الجميع " أنّها تعني : نتيجةً لسقوط آدم، أصبح الذين لم يأكلوا من ثمرة الشجرة، مائتين. وهكذا يلتقي مكسيموس المعترف والذهبيَّ الفم.  

 

2.7.4.3-  كيف نفهم  لعـنة الشريعة :

1.2.7.4.3- الناموس أو الشريعة : هو مجموعة القواعد التي فَرَضها الله  لتَرعى حياةَ الشعب اليهودي في وجهيها الطقوسي  والمجتمعي. هذه القواعد موَزَّعةٌ ومُرَدَّدَةٌ في كُتب الشريعة الخمسة: التكوين والخروج والأحبار والعَدَد وتثنية الاشتراع. نرى في هذه القواعد، كما هي عادة شعوب ذلك الزمن، قـسوةً في التعامل مع الشعوب المعادية.لكنّ فيها احترامًا للقِـيَم الإنسانية الكبرى التي اتّـفَـقَـت عليها كلّ الأديان والشرائع .

نقرأ في(تث 27: 9 - 26) اثنتي عشرة لعنة(70)، يتلوها اللاويّون ويجيب عليها الشعب ب آمين.

في اللعنة الأولى :

« ملعون الرجُـل الذي يَصنَع تمثالاً أو صورةً مسبوكة – ممقوتٌ لدى الرب – صُنْعَ يدَيّ نحّات، ويقيمه في

الخفاء». وفي الأخيرة:« ملعون مَن لا يَحفَظ كلمات هذه الشريعة ليقوم على تنفيذها».هاتان اللعنتان لم تَـعرف بقيّـةُ الشعوب مثيلاً لمحتواهما.أمّا اللعنات الباقيات فتَـنُصّ على وُجوب مُراعاة الأمور التالية المعروفة :احترام الأب والأم، المحافظة على حدود أرض الجار، الاهتمام بالعميان والنَزيل واليتيم والأرملة والقريب، والمحافظة على حقوق البريء ومَنْع معاشرة البهائم، ومنع سِفاح الأقارب (مع تَعدادهم).

إلى اللعنة الأخيرة في نصّ الشريعة، في تثنية الاشتراع،أ شار الرسول بولس في قوله(71):«لأنّ العاملين بالشريعة هم تحت طائلة(sous le coup  ) اللعنة(72) ، لأنّه مكتوب: ملعونٌ كلُّ مَن لا يثابِر على تتميم سائر ما

 

(67)- عن جان كلود لارشيه: مكسيموس المعترف... ص 98-99 .    

(68)- مرجع الملحوظة 88 السابقة ... ص 101.         

(69)- من جان كلود لارشيه: مكسيموس المعترف... ص 99 ملحوظة 93.        

(70)- نقرأ في لسان العرب:{{اللعْـن هو الإبعاد والطرْد من الخير . وقيل: الطرد والإبعاد من الله . لعَنَه يلعنه لعنًا: طرَدَه وأبعده.« بل لعنَهم اللهُ بكُفرهم»(البقرة 2: 88) أي أبعدهم. وكلُّ مَن لعنَه اللهُ فقد أبعده عن رحمته وا ستحقَّ العذابَ فصار هالكًا. واللعينُ : الشيطان، صفةٌ غالبة لأنه طُرِدَ من السماء، وقيل لأنه أُ بعِدَ من رحمة الله .واللعن : الشتيمة}}. طبعًا، ليس اللعنُ ، في الكتاب المقدّ س، بمعنى الشتيمة، بل هو كلمةٌ استُعمِلَت للتأكيد على الأهمّية الكبرى التي يعلِّقها المشترِع على تطبيق بنود الشريعة، بحيث أنّ من يخالِف هذه البنود يتعرّض لأشدّ العقوبات من الله ومن المجتمع.

(71)-  (10) Car les pratiquants de la loi sont  sous le coup de la malédiction, puisqu’il est écri t :Maudit soit quiconque ne persévère pas dans l’accomplissement de tout ce qui est écrit dans le livre de la loi.(11) Il est   d’ailleurs évident que, par la loi, nul n'est justifié devant Dieu, puisque celui qui est juste par la foi vivra. (12) Or le régime de la loi ne procède pas de la foi; pour elle, celui qui accomplira les   

 

Back