Toufic El Achkar - رَحَلَتْ حبيبتي
رَحَلَتْ أمي وتركتني وحيداً
لست أدري إن كنت سأرثيها أو سأحتفل بذكراها.
في قلبي حزنٌ كبيرٌ وفَرَحْ. حزنٌ لأني سأشتاق إليها كثيراً، شوقاً لا يَسْكُنُ ولا حتى باللقاء. وفرحٌ لأن لديّ من اللحظات والذكريات الجميلة معها ما يفيضُ دهوراً.
نَعَمْ رحلت، حقاً رحلت لكنها لم تتركني وحيداً. تركت لي ثروةً وميراثاً كبيراً. تركت لي إخوةً كُثُرْ يحبوني لأنهم أحبّوها، هم: عادل شهدا، بدر، أديب، ماري، جميل وآدغار. هم ميكال شهدا، ميلاد، مارسيل، نهلة وجورج - وخالاً أباً حنوناً اسحق شهدا.
تركت لي ميراثاً كبيراً، أقارباً محبِّين من آل شهدا والورد وديب وفياض ونعمة وعائلاتٍ كثيرة أخرى فكل القرية أقارب. تركت لي صديقاتٍ وأصدقاءَ كُثُرْ يحبوني لأنهم أحبّوها: خالتي الحبيبة ماري ديب، حنان خوري، عفاف خوري، وفاء هزيم، أم منوال (بعضهم ليس معنا الآن ولكن عبيرهم معنا - يعني إذا أم منوال ليست بيننا فمنوال معنا، إذا ميلاد ليس بيننا فجاد معنا) أيضاً روعة شديد، جورجيت موسى، غادة المرعبي، المربين الفاضلين توفيق درباس ، جرجس موسى ، عبّود منصور، عبد الفتاح شديد، حاتم سليمان والأخ الصّديق أبو ليونال.
تركت لي أيضاً جيراناً محبّين: الأستاذ نبيل خبازي، الأستاذ لطيف نصار، نزيه البحصة وسمير خبازي وكثيرين آخرين (مع حفظ الألقاب لجميع من تقدم ذكره).
أَهْلُكِ، أقاربُكِ، أصدقاؤكِ وجيرانكِ يا أمي احتضنوني وأحبوني وأخلصوا لي ولكِ. هذا دَيْنٌ كبيرٌ عَلَيَّ. كَيفَ أَرُدُّ لهم دَيْنَهُمْ؟ لم تورثيني من المالِ ثروةً لأَسِدَّ دَيْني. ثَرْوَتُكِ هي حبُّهُمْ لَكِ، سآخذ من ثروتِكِ هذه حُباً وأَفِي دَيْني.
نعم رحلت، حقاً رَحَلَتْ، لكنها لم تتركني وحيداً. لقد تركت لي ميراثاً كبيراً جداً. لقد وَرِثْتُ عنها قريةً بأكملها، قريةً جميلةً خلابةً أَعْتَزُّ بانتمائي لها - بزبينا - أهلها يحبوني لأنهم يُحِبُّون أمي وهي أحبتهم بإخلاص. هي عَلَّمَتْ أجيالاً، وجَهِدَتْ، وتَعِبَتْ، وخَرَّجَتْ، فتياتٍ صِرْنَ لاحقاً معلمات ومحاميات وسفيرات وطبيبات وأكثر. وكانت تَفْرَحُ بِهِنَّ كثيراً وتقول لي: أَتَعْلَمْ أن بنت فلان الجامعية أو الدكتورة كانت تلميذتي. تقولها بلذةٍ وفخر واعتزاز وكأنها تفخر بابنتها. لم يَكُنْ لأمي إِبْنتَها فَكُنَّ كُلُّهُنَّ بناتَها. أَحَبَّتهُنّ بصدقٍ وهُنَّ بَادَلْنَها الحُبَّ.
إن محبة أهل بزبينا لكِ يا أمي واحتضانهم لي دَيْنٌ كبير عليَّ. لم تورثيني من المال ثروةً لأرُدّ هذا الدَّين. كيف أسِدُّ ديني؟ ثروتك هي حُبُّ الناسِ لكِ. سآخذ من ثروتكِ حباً وأسدُّ دَيْني.
جَاءَ في القرآنِ الكريم عن محبةِ الوالدَينْ: "فَلا تَقُلْ لهما أُفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً. واخفُضْ لهما جناحَ الذُلِّ من الرَحْمَةِ وقل ربِّي ارحمهما كما رَبَّياني صغيرا".
جاء في الكتاب المقدس: أَكْرِمْ أباكَ وأُمَكَّ. وجاءَ في خدمَةِ الإكليل: صَلاةُ الوالدَيْن تُثَبِّتُ أساساتِ البيوت.
أمي، يا إخوتي، أحَبَّت بزبينا كُلَّها بمسيحيها ومسلميها، بصغارها وكبارها، بينابيعها وثلجِها وَنَسِيمِها، بجبالِهَا وصُخورِها وترابِها. وها هي اليَوْمَ تَعودُ إلى هذا التُراب لِتَرْقُدَ هنا وتَستريحَ روحُها.
أمي حبيبتي، مهما فَعلتُ فَلَنْ أفِيكِ باليسير من حقِّكِ ولَوْ عِشْتُ لا عُمْراً بل أعماراً سبعين مرةٍ، سبع مَرَّاتٍ فَلَنْ أَرُدَّ القليل مما فَعَلْتِ وضَحَّيْتِ من أجلي.
أمي حبيبتي، أستودعك الله، لكنكِ شمسي التي لا تغيب فأنت في بالي وقلبي أنت ثروتي سَأورِثُكِ لابني وابنتي سأورِثُكِ لهما أخلاقاً وأدباً وعِلماً وثقافةً وإنسانية.
أحِنُّ إلى الكأسِ التي شَرِبَتْ بِها وأهوى لِمَثْواها التُرابَ وما ضَمّا
رحلت حبيبتي
لا، لا لم ترحلي. إلى اللقاء أمي حبيبتي.
بارككم الله.
يرحم أمواتكم ونكافيكم بالأفراح، وشكراً لكم.
|